العلاقة الخفية بين السكري والزهايمر وأثرها على الصحة العقلية

      لا تزال بعض الروابط في النظام المعقد للصحة البشرية مدفونة في الظل، مخاطر خفيفة تُهيمن على مساراتنا بهدوء. يرتبط اثنان من أسوأ أمراض عصرنا، السكري والزهايمر، بعلاقة وثيقة. على الرغم من أنهما يبدوان صراعين مختلفين، إلا أن الدراسات حول السكري - المعروف غالبًا باسم "داء السكري من النوع الثالث" - بدأت تشير إلى سبب رئيسي محتمل يُسهم في تطور الزهايمر.

الأساس العلمي للرابط

       استغرق العلماء سنوات من البحث في محاولة لفهم سبب كون مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالزهايمر. ومن أبرز مؤيدي هذه الفرضية الدكتورة سوزان دي لا مونتي، أخصائية علم الأعصاب في جامعة براون. تشير دراساتها إلى دور لخاصية مقاومة الأنسولين في داء السكري من النوع الثاني في إصابات الدماغ. 

من المعلوم ان الأنسولين لا يتحكم في نسبة السكر في الدم فحسب، بل إنه ضروري جدًا لوظائف الدماغ. يفقد الدماغ حساسيته للأنسولين، وبالتالي تبدأ الخلايا العصبية في الموت، وتنخفض القدرة الإدراكية، وتبدأ أعراض الزهايمر في الظهور.

نُشر في "مجلة مرض الزهايمر" بحثٌ أُجري عام ٢٠٢١، يدعم هذه النظرية، وكشف أن المصابين بالسكري لديهم فرصةٌ أعلى بنسبة ٦٠٪ للإصابة بالزهايمر مقارنةً بغير المصابين به. هذه دعوةٌ للتحرك، وليست مجرد إحصائية.

مشكلةٌ نتشاركها.

         تخيّل أن ترى أحد أحبائك يفقد أسماء أطفاله تدريجيًا، وذكرياته العزيزة تتلاشى كحبات الرمل. تخيّل الآن أن    مرضًا شائعًا ظاهريًا مثل السكري قد يكون سببًا لهذا التراجع المريع. هذه كارثةٌ إنسانيةٌ حقيقيةٌ تُصيب ملايين الناس حول العالم، وليست مجرد معضلةٍ علمية.

      لا يمكننا أن نعتبر السكري والزهايمر منافسين. بل علينا أن نتحد ضدهما. أفضل أسلحتنا لوقف أو إبطاء ظهور الزهايمر هي اتباع نظامٍ غذائيٍّ جيد، وممارسة الرياضة بانتظام، والتحكم في مستوى السكر في الدم. 

إن التدخل المبكر، وفقًا لمتخصصين مثل الدكتور ريتشارد إيزاكسون من كلية طب وايل كورنيل، قد يُغيّر مسار نشاط الدماغ، إذ تُظهر أبحاثه المبتكرة في مجال الوقاية من مرض الزهايمر مدى قدرة تعديلات الطعام ونمط الحياة على إبطاء التدهور المعرفي ـ

آفاق مستقبلية تلوح في الأفق:

     من المفرح أن هناك أمل، حتى لو كانت العلاقة بين مرض السكري والزهايمر مثيرة للقلق. في كل مكان، يعمل العلماء بلا كلل لحل ألغاز الأمراض المختلفة. تساعدنا الأدوية المُخصصة، والعلاجات الحديثة، والمعرفة الأعمق بعملية الأيض في الدماغ على الاقتراب يوميًا من الإجابات. ومع ذلك، فإن الوعي هو الخطوة الأولى.

      دعونا لا ننسى هذا الرابط السري مع تقدمنا. دعونا ندعم مشاريع البحث الجارية، ونعمل بشكل استباقي، ونثقف بعضنا البعض. تبدأ معركة الزهايمر الآن في القرارات التي نتخذها، والسلوكيات التي نطورها، والدراسات التي نمولها. تبدأ عندما تختفي الذاكرة.

      المعرفة قوة في مواجهة هذه التهديدات الصامتة؛ والعمل أمل. فلننهض متحدين في هذا النضال من أجل أحبائنا، من أجل مستقبلنا، من أجل زمن تبقى فيه الذكريات سليمة والعقول ناصعة للأجيال القادمة.